
الدينار….يواصل الانحدار….؟؟!!
تونس -أونيفار نيوز-شهدت تونس في الأشهر الأخيرة مفارقة لافتة للانتباه، حيث سجّل الاقتصاد الوطني نمواً بنسبة 3.2 بالمائة خلال الربع الثاني من سنة 2025، في حين واصل الدينار التونسي مسار تراجعه أمام العملات الأجنبية، إذ بلغ سعر صرف الأورو 3.414 دنانير بتاريخ 15 سبتمبر 2025 مقابل 2.910 دينار للدولار. هذه المفارقة أثارت تساؤلات عديدة حول مدى ارتباط النمو الاقتصادي بقيمة العملة الوطنية، خاصة وأن الدينار فقد حوالي 3.5 بالمائة من قيمته أمام الأورو في غضون ستة أشهر فقط.
الخبير الاقتصادي التونسي المقيم في أستراليا العربي بن بوهالي قدّم قراءة تحليلية لهذا الوضع، معتبراً أن الأمر لا يتعلق بمعدلات النمو في حد ذاتها، بل بتركيبة الاقتصاد التونسي ومصادر تمويله. فالاقتصاد التونسي مازال يعتمد بدرجة أولى على الاستهلاك الداخلي أكثر مما يعتمد على التصنيع والتصدير، وهو ما يجعل النمو المسجل هشاً وغير قادر على توفير موارد إضافية من العملة الصعبة. فالقيمة الحقيقية للعملة الوطنية لا تقاس بالنمو فقط، بل بقدرة البلاد على جلب العملات الأجنبية عبر التصدير، وجذب الاستثمارات الخارجية، والمحافظة على استقرار الأسعار، فضلاً عن طريقة تمويل الميزانية.
في الحالة التونسية ما يزال العجز التجاري قائماً، وتواصل الدولة تمويل نفقاتها باللجوء إلى الاقتراض، في وقت لا تشهد فيه الصادرات ولا الاستثمارات الأجنبية المباشرة تطوراً كافياً لتعويض هذا الخلل. ونتيجة لذلك يظل الدينار عرضة لضغوطات مستمرة، مهما أظهرت الأرقام الاقتصادية من مؤشرات إيجابية على مستوى النمو.
إن ما يحدث اليوم يعكس في جوهره أزمة هيكلية عميقة، تكشف أن النمو الحالي لا يترجم إلى زيادة فعلية في الاحتياطات من العملة الصعبة ولا إلى تحسن ملموس في ميزان المدفوعات، وهو ما يجعل قيمة الدينار قابلة للتآكل عند أي هزّة مالية أو تجارية.
لذلك فإن التحدي الأكبر لتونس لا يكمن في تحقيق نسب نمو أعلى فحسب، بل في تغيير نمط النمو ذاته، عبر التحول من اقتصاد استهلاكي هش إلى اقتصاد إنتاجي تصديري قادر على خلق الثروة وتعزيز قيمة الدينار على المدى الطويل.